بعد الانتصارات المتتالية للجيش العربي السوري وتمكنه من التقدم وتحرير العديد من المناطق في الجنوب السوري واستعادة السيطرة السورية على معبر نصيب الحدودي مع الأردن أصيب العدو الإسرائيلي بحال من الهلع والخوف ما دفع قياداته العسكرية والسياسية إلى استنفار كل الطاقات والإمكانات لاستدراك ساعة الحقيقة التي باتت أمراً واقعاً لا مفر منه بفشل كل ما خُطط ورسم لسورية إسرائيلياً أميركياً خليجياً وانهيار أحلام مجموعة غرفة عمليات الموك العاملة في الأردن والمخصصة للاختراق وإنشاء جيب موال للعدو الإسرائيلي في الجنوب السوري في تكرار لنفس المشهد الذي حصل في جنوب لبنان عام 2000 حين انهار الاحتلال الإسرائيلي واضطر للانسحاب من جنوب لبنان مجرجراً ذيول الخيبة والانكسار وانهيار جيش العملاء والقضاء على ما سمي الشريط الحدودي تماماً كما هو حاصل اليوم في الجنوب السوري.
وأمام نجاح الجيش العربي السوري في القضاء على أحلام إسرائيل وتحرير الجنوب السوري من العملاء والإرهابيين هرع العدو نحو روسيا طالباً ضمانة عودة العمل باتفاق فض الاشتباك بين سوريه والعدو وإسرائيلي الذي كان معمولا به منذ العام 1974 وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في العام 2011 في خطوة يائسة تهدف إلى حفظ ماء وجه العدو الإسرائيلي الذي بات محرجاً خصوصاً بعد تصريحات المحللين الإسرائيليين وتأكيدات مراكز الدراسات الإسرائيلية الداعية للاعتراف بالهزيمة الإسرائيلية النكراء وانتظار المواجهة الحتمية عاجلاً أم آجلاً مع «قوات الأسد» حسب التعبير الإسرائيلي.
قيادة العدو الإسرائيلي هرعت تصول وتجول في العالم في خطوة تهدف لتسويق عدم ممانعة إسرائيل العودة إلى قواعد فض الاشتباك الذي كان معمولا به عام 1974 لكن مع ترويج شرط إبعاد الإيرانيين وحزب اللـه مسافة 40 كلم عن الحدود مع فلسطين المحتلة وتحديد عديد ألوية الجيش العربي السوري الموجودة على الحدود في الجولان والقنيطرة إضافة إلى تحديد أنواع الأسلحة وعدم امتلاك صواريخ دفاعية أو أسلحة ثقيلة تمكن الجيش العربي السوري من تهديد أمن العدو وذلك مقابل السماح للجيش العربي السوري العودة بالانتشار على حدود الجولان مع فلسطين المحتلة في محاولة للإيحاء باستمرار امتلاك إسرائيل زمام المبادرة ما يؤهلها فرض شروطها بهدف الضغط ومقايضة الدولة السورية وهنا يبرز السؤال: ما الذي يدفع العدو الإسرائيلي إلى استجداء روسيا العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك مع سورية في عام 1974؟
ببساطة لأن العدو الإسرائيلي أدرك الهزيمة في جنوب سورية كما أدركها في جنوب لبنان 2006، في مقارنة سريعة وبالعودة بالتاريخ للعام 2006 وفور الإعلان عن وقف العمليات العسكرية في جنوب لبنان واعتراف العدو بهزيمته النكراء على أيدي أشاوس المقاومة اللبنانية أسرع العدو الإسرائيلي إلى مطالبة لبنان عبر الأمم المتحدة العودة إلى اتفاق الهدنة الذي كان معمولا به بين لبنان والعدو الإسرائيلي عام 1949 وهو الأمر نفسه الذي يحاول العدو الإسرائيلي تسويقه اليوم في 2018 بوساطة روسية بالعودة إلى اتفاق فض الاشتباك مع الجمهورية العربية السورية منذ العام 1974.
إن رغبة العدو الإسرائيلي في العودة إلى اتفاق فض الاشتباك للعام 1974 تكمن بعدم الرغبة في اشتعال الجبهة الممتدة من الجولان المحتل حتى الناقورة في لبنان ولأن العدو بات يدرك مدى صلابة وتماسك محور المقاومة وتمكنه من فرض معادلة جديدة لن يكون من السهل على العدو اختراقها، فضل العدو التراجع واللجوء للعودة إلى اتفاق 1974، لا يسقط من أذهاننا أن العودة إلى اتفاق 1974 تعني عودة الأمور إلى ما كانت عليه في ذاك الوقت وفي كل سورية أي انسحاب جميع القوى الموجودة على الأرض السورية من دون تنسيق وموافقة الدولة السورية كما هي الحال بالنسبة للقوات الأميركية والتركية والفرنسية والبريطانية إضافة للتنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية والتزام إسرائيل بوقف التعديات الجوية الإسرائيلية على سورية وتسهيل عودة النازحين السوريين إلى ديارهم وهذه شروط لا بد منها ويجب وضعها موضع التنفيذ الفوري.
إن قرار العودة إلى اتفاق 1974 من عدمه عائد للقيادة السورية فقط وهو قرار سيادي بحت فلا يجوز للمعتدي الإسرائيلي المحتل فرض شروطه على سورية صاحبة الأرض التي احتلت أرضها وجمعت لها شياطين الأرض لإسقاطها.
لا غلو في القول إن الارتدادت الإستراتيجية الإيجابية لانتصارات الجيش العربي السوري ستجعل من الأنظمة والعروش العربية المتماهية مع سياسة أميركا والعدو إسرائيلي التي شاركت في التآمر على سورية آيلة للسقوط أو التجويع كما حصل في الأردن، إن انتصار سورية هو رسالة إستراتيجية موجهة إلى كل القوى الموجودة في الشمال السوري أن تتهيأ لتجرع طعم الهزيمة الإسرائيلية الخليجية عاجلاً أم آجلاً لأن رسالة سورية العروبة أضحت واضحة لجهة عدم طمأنة العدو الإسرائيلي والتصميم على تحرير واستعادة كل شبر من تراب سورية.
أما على صعيد المنطقة من المؤكد أن انتصارات سورية المتتالية سوف تسهم في تكوين العامل الأساسي لإفشال ما سمي «صفقة القرن» لأن صمود سورية أعطى دفعاً قوياً في كسر حاجز الخوف وتصحيح اتجاه البوصلة نحو خيار مواجهة العدو الإسرائيلي وتمكين كل قوى المقاومة من امتلاك زمام المبادرة المؤهلة لإفشال مخططات أميركا وإسرائيل في المنطقة ولاسيما محاولات طمس القضية الفلسطينية وهدر حق العودة ما يتيح لسورية استعادة دورها الإستراتيجي في قيادة محور المقاومة ليس في سورية فحسب بل في المنطقة العربية كلها.
إن التعويل على اجتماع القمة المرتقب في هلسنكي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب بالضغط على سورية هو تعويل في غير محله لأن القيادة السورية استطاعت بصمودها ترسيخ المعادلة الجديدة في وضوح الرؤية الإستراتيجية وامتلاكها صناعة القرار الحر وتحديد مصير المنطقة العربية.
وعلى حين يجري التحضير الأميركي الإسرائيلي لتنفيذ حكم القصاص في أنظمة وعروش عربية امتنعت تنفيذ «صفقة القرن»، تبقى الجمهورية العربية السورية وحدها القادرة على امتلاك القرار الحر والمؤهلة لقيادة المنطقة العربية نحو التحرر.